ابني أقوى مني!
في اتصال من أم فاضلة تقول إن ابني يمتلك الكثير من أدوات الضغط والتأثير عليّ ــ بكاء ــ صراخ ــ عويل ــ نوم بالأرض ــ مخاصمة ــ انعزال ... إلخ، وأنا لا أمتلك سوى التنفيذ والانصياع للأوامر فقلت لمحدثتي عفوا ــ سيدتي ــ بل أنت الأقوى،
قلت لها تمتلكين قوى مؤثرة ولكن لم تكتشفيها ولم تستخدميها وبالتالي أهملت وتكاد تتلاشى تلك القوى،
قالت وما هي؟ قلت لها أن تتحركي بجدية تربوية لتصدي عوامل الهدم التربوي وذلك بتخطيط وذكاء وعقلية عاملة:-
فتوقعي الخير تجديه وكوني واثقة بنجاحك فأنت لست الأولى
التي تخفق وليس ابنك وحدك صعب المراس ظني بالله خير الظن,
اجعلي المواقف الجميلة السهلة تنجذب إليك ببركة إيمانك وقوة صلتك بالله،فالخير يجلب خيرا والطاعة تجلب طاعة واليسر يجلب يسرا والموقف التربوي الناجح,يجلب موقفا تربويا ناجحا جديدا، قال تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد/ 11)،
وقال تعالى في حديث قدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني» (حديث حسن صحيح/ أخرجه الترمذي)،
إن إبداعك الرائع للأطفال أصحاب العناد وصعبي القيادة يتلذذون بالطرق المبدعة لأوامرك ووسائلك لأنهم غالبا مبدعون،
فمثلا قد تكون المكافأة المالية مسبقة الدفع وسيلة غير تقليدية للتحفيز أي يستلم الحافز قبل الفعل. كما ان دعابتك الرقيقة الفكاهية والغير متوقعة من الطفل نفسه تحل الكثير من المشكلات ,
فعندما يغضب الطفل وتشعريه بأنك قريبة منه بروحك الفكاهية بكلماتك السهلة المضحكة البسيطة,ساعتها يحس بأنك جزء منه غير متسلط ,
لأنه لو فلت الزمام من الصعب استرجاعه وتحتاج لمجهود مضاعف وطاقة جبارة ,فمن الأولى بداية إصلاح الخطأ بروح فكاهية وصبر طيب،
فمثلا أتى ببكاء وعصبية متحدثا امسكيه ضميه بصدرك غيري تعبيرات وجهك بشكل فكاهي, مع تغير صوتك مثل الشخصية الكرتونية التي يحبها بحيث تضحكيه ,وسترين الفرق أمامك واضحا اما اذا استفزك واصبحتي عصبية فكل تصرفاتك ستكون خطأ بلا شك.
و لقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب صغار أهل بيته ويمازحهم ويضاحكهم،فعن عبدالله بن الحارث ــ رضي الله عنه ــ قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيدالله وكثيرا من بني العباس ــ رضي الله عنهم ــ ثم يقول:
(من سبق إليّ فله كذا وكذا).
قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم،
وعن جابر ــ رضي الله عنه ــ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعينا إلى طعام،فإذا الحسين ــ رضي الله عنه ــ يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده،
فجعل حسين يفر ههنا وههنا فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه ,فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبله (الطبراني).
أنت تمتلكين طاقة كبيرة وجبارة هذه الطاقة تظهر في رمضانك في حجك في مواقفك أنت, تمتلكين الصبر والإيمان والحب والأمومة كل تلك القوى تعمل لصالحك وتعمل من أجل ولدك فقط اكتشفيها استخرجيها استثمريها.
قالت محدثتي: هذه أدوات قوتي، ولكني لا أجيد تفعيلها، قلت: سيدتي الفاضلة،وأنت تتعاملين مع ابنك، لماذا لا يسأل كل واحد فينا عن عصا موسى التربوية التي يمتلكها بيمينه (وما تلك بيمينك يا موسى)،
والمسلم المعاصر لا بد أن يشحذ فعاليته الروحية والتربوية،وهذه أول شروط النهضة التربوية، ودور المسلم تربويا كفرد ينبغي أن يدرسه كما علمتنا الآيات أن يسأل نفسه، ما الذي بيمينه من مهارات تربوية وعصا للتغيير (رمز لمهارة التغيير والنهضة)،
سواء أكان تغييرا اجتماعيا أو سلوكيا أو تربويا أو حتى عقائديا؟
أي ما القوى التربوية التي يملكها؟ وما تلك بيمينك يا موسى؟
نسأله صباحا ومساء، نتعرف به على قدرتنا الإرشادية،
نسأل كما سئل موسى: وما تلك بيمينك يا موسى؟
فإذا عرفت قوتك ومهارتك التربوية فألقها في أولادك وأسرتك،
ولا تخف من عوامل الهدم التربوي، ولا من الانفتاح والاندماج بالمجتمع،
ولا تحزن على إخفاقاتك واجتهاداتك ومحاولاتك ما دمت على الطريق،
وتوكل على الله، وسترى التغيير التربوي السلوكي أمام عينيك.
عليك أن تراعي المبادئ والقواعد الآتية وقد لخصتها لك بعبارة
(هذا عصفكم)،
أي أن نتيجة تربيتكم وتفكيركم التربوي ومبادئكم السلوكية هي ما ظهرت على ولدكم، وبيدكم أيضا تغيير تلك النتيجة بتعديل طريقتكم في التربية وفهمكم التربوي السليم:
* هـ (الهاء) كن هادئا وأنت تتعامل مع الطفل صعب المراس.
الهدوء نصف العلاج، والتصرف بحكمة مع الهدوء النصف الآخر.
* ذ (الذال) كن ذكيا. الطفل صعب المراس ذكي، ويعرف متى يثيرك؟ ومتى يضحك عليك؟ ومتى يسخر منك؟ كن أنت الأذكى لا تعط له الفرصة ليلعب بك.
* ا (الألف) أعلمه أنك غاضب. عندما تخبره بغضبك يبدأ تدريجيا في الهدوء واستيعاب الفكرة والأمر.
*ع (العين) عرفه بسبب تنفيذ الفعل، وأخبره بهدف السلوك.
لا يكفي الفعل فقط،لا بد أن يتزاوج الفعل مع معرفة السبب حتى ينفذه الطفل عن قناعة وعن حب، وذلك من خلال الهدف. فالخطوة الأولى لتعليم أية قيمة شخصية أو مهارة أو سلوك أو عقيدة هي معرفة الهدف من قيمة الفعل،والتركيز عليه لمدة لا تقل عن 21 يوما، عن طريق ملصق أو نشيد تذكيري، وهذا مهم جدا..... لماذا نفعل لماذا؟،
* ص (الصاد) صوتك المنخفض دليل على تحكمك في نفسك وامتلاكك لزمام الأمور والسيطرة على العقل،وهذا يعرفه الطفل جيدا،
ويعلم عندما تفقد أعصابك وترفع صوتك أنك غير متحكم وغير مسيطر،
ويفرح هو لذلك ويتعامل معك بمراوغة أكثر.وببيانك الساحر تغير «إن من البيان لسحرا»أنت بصوتك بتعبيراتك بإيحاءات وجهك وجسدك تمتلك لغة جسدية ساحرة. كن حازما مع الحب مسؤولا مع الرقة.. معادلة موزونة
* ف (الفاء) فرق بين الشخص وبين السلوك.. خطأ تربوي عميق نقع فيه كثيرا، وهو أننا نتعامل مع الشخص والسلوك كشيء واحد، فقد نجرح الشخص لارتكاب سلوك خاطئ، ولا نتعامل مع السلوك الخاطئ تحديداً، بمعنى، وأنا أخاطب الطفل أقول له: لم يعجبني سلوكك، ولا أقول له: أنت لم تعجبني. سلوكك وطريقتك وفعلك خطأ، ولا أقول له: أنت خطأ.... شخصك خطأ ...انت كلك غلط ....انت حيوان.(لا يجوز ذلك)
* ك (الكاف) كن كاتم سره وساتر خطئه دائما، قالوا: إن أمناء الأسرار أقل وجودا من أمناء الأموال،وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار فكن صديق ابنك وكوني صديقة ابنتك وتعودوا على الصراحة الشديدة منذ الصغر وسيتربى الطفل عليها وستكبر معه.
* م (الميم) كن مسؤولا لا متسلطا، ومارس معه مواقف عملية يتعلم منها، كما أنه لا ينبغي أن يخضع العقاب للحالة المزاجية للوالدين،فتارة يتجاوزون عن خطئه، وتارة يواجه عقابا شديدا،وهذا يخضع لحالتهما النفسية من الهدوء أو العصبية،بل ينبغي أن تكون هناك قواعد ثابتة للتعامل مع الطفل، ومن الأخطاء التي يقع فيها الوالدان أو المعلم عندما يخطئ الطفل،هو وضع شخصية الطفل كلها في دائرة الخطأ،فعندما يسقط منه الكأس ــ مثلاً ــ يقال له: أنت فوضوي، أو لا تفهم، وهنا نلحظ أنه لم يتم تسليط النظر على الخطأ وحده وهو وقوع الكأس،والذي ينبغي أن يقال له: أنت لم تمسك الكأس بشكل صحيح ــ مثلا وهكذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق