صور

صور
صور عامة

الأحد، 17 يناير 2016

الأنيميا الأخلاقية المدرب احمد لطفي شاهين

الأنيميا الأخلاقية
المدرب / احمد لطفي شاهين
فلسطين المحتلة

في سنة 1974 قامت فتاة روسية اسمها "مارينا ايراموفيك" بعمل تجربة أخلاقية اجتماعية في منتهى الغرابة بهدف التعرف على سلوكيات البشر عندما تتاح لهم فرصة الحرية بلا شروط ولا قيود ولا ضوابط أخلاقية وكانت تجربتها تتمثل في ان تقف لمدة 6 ساعات متواصلة كأنها تمثال وأن تضع بجانبها طاولة عليها سكين وسلاسل ومسدس وورود وأقلام واشياء كثيرة ووضعت لافتة مكتوب عليها  (( افعلوا بي ما تريدون ))  ووقفت صامتة كالصنم وكان معها فريق للمتابعة والتصوير من بعيد وبدأت التجربة  وتأملها الجماهير في الساعة الأولى بشكل حضاري وراقي بشكل أعجبها جدا لم تكن تتوقعه كما قالت فيما بعد .... ووقفوا أمامها متأملين وتعمد بعضهم تكرار المرور من نفس المكان للمتابعة ولحاجة في نفس يعقوب..... ثم حصل ما لم تكن تتخيله على الإطلاق وبدأ البعض في الممارسات التي لم تكن تتوقعها "مارينا" ابدا وعندما وجد الجمهور انها لا تقوم بأية ردة فعل ابدا تجاه ممارساتهم ازدادت حدة الممارسات اللاخلاقية وتطورت الى اشكال عدوانية فقام الجمهور بتمزيق ملابسها وتعريتها بشكل شبه كامل وبعضهم خدشها بالسكين وبعضهم كتب على جسدها بالأقلام وبعضهم طعنها بالقلم بقسوة ومنهم من وضع السلاسل على رقبتها ووضعوا عليها الورود بشكل عنيف حيث الصقوا أشواك الورود ما بين جسدها وما بين السلاسل وجرحوا جسدها بأشواك الورود وبعضهم حاول طعنها بالسكين واحدهم سحب المسدس واراد ان يطلق النار على رأسها لولا تدخل احد المتابعين للتجربة والبعض تحرش بها  وتجمهر حولها الناس بشكل لا أخلاقي وعدواني ولا إنساني وبمنتهى الشماتة وهم لا يعرفونها ولا يعرفون هدفها من كل ما يحصل وفجأة وبعد ست ساعات من الوقوف والصمود على كل تلك الممارسات تحركت لتلملم نفسها  فهرب الجمهور بشكل غير متوقع ايضا وكأنها عقدة الذنب والخجل من النفس  وكتبت "مارينا " ملاحظتها عن هذه التجربة وهي ملاحظة خطيرة جدا  حيث قالت : " لقد صدمت من هذا المجتمع واكتشفت ان البشر الذين نتعامل معهم يوميا مهما اختلفت أعراقهم وأجناسهم عندهم استعداد لارتكاب افعال شنيعة  لو اتيحت لهم الفرصة طالما ليس عندهم وازع أخلاقي داخلي وهذا ما يجعلنا نقول ان السلطة بحاجة الى القوة دائما لتعزيز وجودها وان الحرية لا يمكن ان تمنح بصورة مطلقة دون رادع او قانون او نظام  او وازع أخلاقي داخلي "
تعليقي انها تجربة فريدة من نوعها وغريبة جدا لكنها مفيدة كمعيار لتقييم أخلاق المجتمعات
وما يمكنني ان استخلصه من كل تلك التجربة هو كلمة  (( وازع أخلاقي داخلي ))
ولو طلبوا منا ان نقوم بتقييم هذه التجربة فسوف نستهجن هذه السلوكيات وهذه التصرفات وكأننا لا تخطيء ابدا
وكأننا انبياء ومقدسين وكلنا سيهاجم ذلك المجتمع لأن تصرفاته مشينة وكأننا في مجتمعاتنا بلغنا درجة الكمال المطلق ....كثيرون اولئك الذين يعتقدون انهم معصومين ولا يخطئون ابدا وان كلامهم حق مطلق لا يقبل الجدل
بل ويتفننون في انتقاد كل شيء حولنا ؟؟
لماذا كل واحد منا يعتبر نفسه مقياس للصلاح والتقوى ولا يرى عيوبه ؟؟
لماذا لا نعترف بأخطائنا ولا نعترف اننا لا نمتلك الكمال الأخلاقي المطلق ... لماذا لا نعترف ان الكمال لله تعالى فقط
ان احد اخطر أسباب مشاكلنا ان كل واحد منا يعتبر نفسه نموذج وقدوة ولا يرى نفسه بموضوعية
رائع جدا ان تكون قدوة ونموذج طيب ولكن هل أنت فعلا نموذج طيب؟؟  هل انت صاحب أخلاق طيبة فعلا؟؟
هل انت تتبع الحق الذي قرره الله تعالى وانزله من السماء ام انك تتبع الحق الذي تعتقد انت انه حق ؟؟
تساؤلات خطيرة اتمنى ان نوجهها لأنفسنا ونحاسب انفسنا جيدا حتى تتحسن تعاملاتنا
فديننا نصفين ... عبادات ومعاملات ....ومعظمنا للاسف الشديد لا نجحنا في هذا ولا في ذاك
لم نعبد الله حق عبادته كما أمرنا...  ولا نتعامل مع بعضنا بأخلاق ديننا الراقية
لدرجة ان البعض منا في كتاباته يقتبس مقولات أخلاقية من الإنجيل او ديانات اخرى لتعزيز فكرته علما بأن كل ما يمكن ان تبحث عنه ستجده في القرآن الكريم والسنة النبوية والتاريخ الإسلامي من أخلاقيات وقصص منتهى الروعة والجمال والرقي الأخلاقي والرحمة والأدب والإنسانية والصدق والإيثار والكرم والمروءة والحب وكل القيم الأخلاقية الراقية
وايضا من اخطر مظاهر الانيميا الاخلاقية في مجتمعاتنا (( الوقاحة )) فالمفروض على من يخطيء ان يعترف بخطئه وان يعتذر وان يحاول تصحيح اثر الخطأ لكن المصيبة ان يخطيء البعض ويرفض الاعتراف بانه اخطأ بل تبلغ به درجة الوقاحة ان يعتبر نفسه على الحق وهذا ما يطلق عليه البعض كلمة ( الكفر عناد ) لكنها الوقاحة بعينها فالعناد احيانا كثيرة ايجابي ومطلوب ولولا عناد شعبنا في صراعه مع الاحتلال لذابت الهوية الفلسطينية من سنوات والمعروف عن ابنائنا المعتقلين في سجون الاحتلال عنادهم وروح التحدي التي تجبر السجان على الرضوخ لإنسان عنيد يضرب عن الطعام ويموت لأجل الحصول على الحرية فالعناد شيء ايجابي أحيانا كثيرة لكن الوقاحة هي المرض الذي يجب علاجه
ان من أسوأ مظاهر الأنيميا الأخلاقية حاليا ما يحصل في عالم الانترنت والتواصل الاجتماعي حيث  تحصل كل الخيانات  وكل صور الخداع وكأنها وجبة سريعة وسهلة وكأنها حلال ومباحة فلا حدود للتعبير ولا للعلاقات ولا للتواصل
فكل إضافة من الجنس الآخر تعتبر فرصة للاستثمار العاطفي وتمثيل دور المثالية  فيما يمكن تسميته المشاعر الالكترونية تماشيا مع التطور حيث تم تشويه مفهوم الحب الحقيقي وأصبح تبادل كلمات الحب والعشق في منتهى السهولة فلا رقيب ولا حسيب ولا وازع داخلي او خارجي من الجنسين ( بنفس الدرجة ) .. للأسف  فالكل يبدو أنه شاعر مرهف الحس وينشر عذاباته وآلامه وكلماته الحساسة لجذب الانتباه ولكسب التعاطف وعندما تتواصل معه تعتقد انه كاتب بارع  وإمام مسجد ومفتي ومحلل سياسي وتدخل صفحته الشخصية فتفرح وينشرح قلبك لهذا الرصيد الأخلاقي النادر في صفحته وفي أول مواجهة او مقابلة مع ذلك الشخص تسقط كل الأقنعة ويظهر ذلك الشخص على حقيقته الكاذبة ويتبين لك واضحا الوجه الآخر الذي كان يخفيه وتكتشف انه كان يتستر بالفضائل... انه عار على الإنسانية ان نكون  كذلك .. فالمفروض ان تكون انت نفسك في كل مكان وزمان وفي كل وقت.. المفروض ان تكون صريحا وواضحا كما انت في كل مكان.. داخل الانترنت وخارج الانترنت ... يجب ان يكون الوازع الأخلاقي الداخلي موجودا في كل مكان وزمان            
 كن أنت أنت ولا تتقمص دورا غير دورك ولا صفات غير صفاتك فالطيب لا تتغير صفاته أبدا أينما كان موقعه
ولو اردت ان تكون عاشقا حقيقيا وباحثا عن حب من الطرف الآخر بشكل جاد فخذ هذا الرقم 2 -29 -189 وابحث عنه في القرآن الكريم سورة رقم 2 صفحة رقم 29 الآية 189  (( واتوا البيوت من ابوابها... واتقوا الله لعلكم تفلحون ))
لو انتقلنا الى  الشوارع والمقاهي والكافيهات والمنتزهات والجامعات وكل أماكن الاحتكاك بين الجنسين نلاحظ ظواهر شاذة تبدأ بالنظر بوقاحة وبعض الكلمات الغزلية الساقطة وللأسف أحيانا تنقلب الآية وتجد بعض البنات تعاكس بعض الشباب وللأسف ان بعض البنات تلبس ملابس استفزازية بحجة الحر والشمس وكأنه عرض أجساد وافتخار بتفاصيل للجسم الذي ستأكله الديدان يوما ما ...  فمهما زاد جمالك وجمال جسمك سيكون ممتعا للديدان في القبر اكثر... ....... فأنت نفسك ستكون يوما ما وجبة دسمة لتلك الديدان الموجودة اصلا في امعائك وخلاياك وانت حي ...
والأصل دينيا وأخلاقيا هو عدم المعاكسة ووجوب غض البصر من الطرفين ومن يجرب غض البصر يجد متعة ما بعدها متعة ويشعر فعلا بحلاوة طعم غض البصر ولكن لا يمكن ان تغض بصرك الا اذا كنت من داخلك مقتنعا بأهمية غض البصر .... لذلك نركز على قضية الوازع الأخلاقي الداخلي
والحمد لله اننا لم نصل الى مرحلة التحرش كما يحصل في بعض الدول .. واتمنى ان لا نصل لها في المجتمع الفلسطيني
لو انتقلنا الى عالم الأسرة نجد العلاقات الاجتماعية مفككة في غالبية البيوت والعائلات فلا تواصل ولا تزاور ولا تعارف ولا تقارب  ولا تراحم ولا تعاطف ولا احترام  من زوايا عديدة .... يجب علينا ان نعود الى ايام الزمن الجميل ايام اجدادنا الطيبين الذين فقدوا كل الأرض المحتلة ولكنهم لم يفقدوا انفسهم ...لقد توارثنا وسمعنا كلنا عن تاريخ  رائع  من  علاقات  التواصل  تفوق  في  روعتها كل  أشكال  التواصل  الاجتماعي  الحديث  فالكل يقول لك :  (( ان الناس كانت تحب بعضها ... وتحب لبعضها الخير )) مقولة اعتبرها إبداعية واساس لنجاح المجتمع وتطوره وربما تطرقت لموضوع الحب في مقال سابق ( في ظلال الحب ) لكن الجميل هنا أن الكل يحب الخير للآخر ويتمنى الخير للآخر
 وبالتالي لا تحاسد ولا تباغض ولا شحناء أبدا
فلماذا تغيرنا ؟؟ ما الذي حصل ؟؟؟ هل تصدق المقولة التي تقول انه كلما تطور الاقتصاد كلما تفكك المجتمع ؟؟؟       ولو افترضنا جدلا انها مقولة صادقة فأين تطورنا الاقتصادي الذي فكك مجتمعنا الفلسطيني ؟؟؟                          نحن مجتمع استهلاكي بامتياز ولا نمتلك مقومات الاقتصاد اساسا فكيف ولماذا تفككت العلاقات                         ولماذا ذلك التحاسد والتباغض بين كثير من الاقارب والجيران والزملاء والمعارف
انا لا اقول ان كلامي عام وشامل وينطبق على الجميع بل على العكس فالغالبية من مجتمعنا رائعة لكن هذه مظاهر اجتماعية موجودة عند البعض ونلاحظها اثناء تدخلنا لحل المشاكل بين الناس والتي أساسها سوء الأخلاق والفقر في القيم لذلك اقول انيميا الاخلاق فكثيرين اولئك الفقراء فعلا في اخلاقهم ومبادئهم
اذا رجعنا لتلك التجربة الروسية فالسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو فعلت نفس التجربة بنت عربية في مجتمع عربي ؟ كيف سيتعامل معها الجمهور ؟؟؟ رغم كل انتقاداتي لكثير من السلوكيات  فانا اعتقد وأكاد اجزم انه لن يقترب منها احد ولن يفعل بها أي شخص أي شيء ولو حاول أي شخص فعل شيء مشين سيمنعه كثيرين وربما يقف البعض للدفاع عنها وحمايتها دون ان يعرفها وربما يتدخل البعض ويتكلم معها ليقنعها بالمغادرة وذلك لان لدينا ضوابط أخلاقية ودينية تجعل عندنا الغيرة والنخوة والشرف وعدم القبول لأية ممارسات لا أخلاقية بحق أي بنت وهذه الضوابط موجودة عند الغالبية العظمى من الناس بنسب متفاوتة و ليست معدومة فالوازع الأخلاقي الداخلي موجود بفضل الله عند الغالبية
.. قبل فترة بسيطة جد حصل اعصار قوي  في امريكا وانقطعت الكهربا عدة ساعات فسجلت آلاف حالات السرقة في ارقى المدن الامريكية خلال ساعات لان الكاميرات تعطلت ولا يوجد وازع اخلاقي داخلي يمنعهم من السرقة وكان كل خوفهم من الكاميرات في ارقى دول العالم وهذا هو الفارق وهذا ما اريد ان اصل اليه ان يكون خوفنا نابعا من داخلنا فقط
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه الآن لماذا نحن مادمنا جميعا متفقين على وجود ضوابط أخلاقية رائعة وراقية في ديننا           لماذا نعاني من ممارسات لا أخلاقية في مجتمعاتنا من البعض وننتقدها بشدة ؟؟                                               لماذا لا يلتزم البعض بالمعايير الأخلاقية الرائعة السائدة في المجتمع العربي؟؟ والمستمدة أصلا من روح الإسلام
ان الخطير في الموضوع ان يكون هناك مفارقات غريبة بين تعاليم الإسلام وتعاليم المجتمع ( العربي الإسلامي )
فالإسلام اوصانا بالجار حتى ظننا انه سيورثه ...والبعض عندنا يقول ان كومة حجار افضل من الجار
الاسلام يخبرنا ان خيركم خيركم لاهله وما اكرمهن الا كريم  وما اهانهن الا لئيم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنس غرفته ويحلب شاته ويغسل أشيائه بنفسه ويمازح زوجاته ويضحك معهن ولكن  في مجتمعنا كثيرين اولئك الذين ينظرون الى من يحسن  التعامل مع زوجته انه (( ارنب )) ومحكوم وليس رجلا
الإسلام اوصانا بالبنات و من يحسن تربية بناته فهن تأشيرة دخول مضمونة الى الجنة  وفي مجتمعنا مثل شائع             ( هم البنات الى الممات ) وللأسف عندنا تمييز عنصري واضح وخطير لصالح الولد على حساب البنت
الإسلام يقول انه لا يدخل الجنة قاطع رحم فكل الأقارب أرحام كما ان الإسلام فرض علينا انه  من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ولكن البعض منا يقول ان الأقارب عقارب وانه لا علاقة لي بالناس مادمت بخير والمهم تسلم راسي وبس وكثيرة تلك الامثال والقصص التي من هذا القبيل والتي تزيد من تمزيق النسيج  المجتمعي للأسف
الإسلام يعلمنا ان الأصدقاء المتحابين في الله من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة وان خير ما تعمله هو ان تحب في الله وان تكره في الله وذلك لتعزيز العلاقات الاجتماعية القائمة على الحب في الله ولكننا توارثنا مثل حقير وخطير     ( احذر عدوك مرة واحذر صديقك الف مرة ... ) مثل غريب وشاذ لكن يؤمن به كثيرين للأسف
اذا انتقلنا الى زاوية اخرى فالإسلام يعلمنا ان اعظم جهاد هو كلمة حق في وجه سلطان جائر وشائع عندنا كلمة        (من يسكت يسلم .... وحط راسك بين هالروس وقول يا قطاع الروس )
إن كل تلك المفاهيم الاجتماعية  الايجابية الموجودة في ديننا الرائع مهمة جدا في تعزيز تطور ورقي وترابط المجتمع العربي الإسلامي لكننا نتبع الأمثال الشعبية المتوارثة ونؤمن بها ونقول  صدق المثل وننسى او نتناسى  ( صدق الله العظيم وصدق الله ورسوله )
ان اروع ما في ديننا ه انه يعتمد على الوازع الأخلاقي الداخلي ورقابة الذات امام الله تعالى فقط كما يحدث في موضوع الصيام.. علاقة خاصة بينك وبين الله تبارك وتعالى .. فلا احد يراقبك الا ذاتك وضميرك ووازعك الداخلي
وانا استغرب كيف يوجد عندنا هذه العبادة الراقية ونجد البعض يخطئ في حق نفسه وحق المجتمع
من لم يهذب روحه الصيام ... فليفتش في نفسه عن السبب ويصلح الخلل
اكتفي بهذا القدر ولو اردت ان اترك المجال لنفسي سأكتب مجلدا بهذا الخصوص لكنني اكتفي بما كتبت واعتذر على الاطالة واتمنى ان نرتقي بأنفسنا واخلاقنا وان نعمل عملية تنشيط وايقاظ لضمائرنا ووازعنا الاخلاقي الداخلي
وليكن كلامي من باب .. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق