برق في سماء صافية
المدرب احمد لطفي شاهين
فلسطين المحتلة
يقول الفرنسيون عن الجلطة التي تصيب القلب أنها
( برق في سماء صافية )
لأنها تحدث فجأة ويهتم الأطباء والجميع بمن يصاب بها لخطورتها وهذا البرق لا يمكن ان يتوقعه الإنسان لان السماء تكون صافية تماما مثل الجلطة التي تصيب القلب بشكل مفاجئ وغالبا تؤدي الى الموت فالموت بالجلطات هو البرق المفاجئ الذي يهدد حياة كل البشر وللبرق أشكال مختلفة في حياتنا فقد تزايد البرق الإعلامي في سمائنا العربية خلال السنوات الأخيرة وتسبب بجلطات عقلية أصابت التفكير وضللت الوعي وأماتت الفهم لان ذلك البرق متتابع ومفاجئ ويفتقد إلى الضمير
في أحيان كثيرة تمنيت أن أكون إعلاميا وفي بعض الأحيان حمدت الله أنني لست إعلاميا
فالإعلام له دور مركزي ومحوري في كل قضايا العصر وهو سلطة رابعة في الدولة
والمفروض على السلطةالرابعة أن تكون نزيهة وأمينة ومهنية وموضوعيةجدا جدا جدا
لان للإعلام دوررقابي خطير جدا .... ودور توجيهي أكثر خطورة
وعلى القائمين علىالإعلام العربي ان ينتبهوا لخطورة الإعلام بكل وسائله
عندما أتكلم عن الإعلام لا اقصد السياسة فقط بل اقصد كل الفضائيات حتى التي تتعلق بالطبيخ
الجانب الأول على الصعيد الإنساني وحقوق الإنسان هناك انتهاكات كثيرة يقوم بها الإعلام بحق الإنسان العربي حينما تكون الصورة أغلى من حياة الإنسان نفسه و حينما يصبح الإنسان مجرد مادة إعلامية لإثارة مشاعر إنسان آخر والهدف من كل التوثيق هو كسب الشهرة والمجد والحصول على الجوائز الدولية على أنقاض البشر بدون العودة إلى من تم توثيق حالهم لتقديم المساعدة لهم فقد انتهى دورهم فالانسان هنا مجرد رقم يتم تعداده ليضاف الى إحصائيات من نحسبهم عند الله شهداء او القتلى او الجرحى او المفقودين او المشردين اوالمنكوبين او او او
انها تجارة رائجة وشائعة ومربحة ... إنها التجارة بالدم عبر الإعلام
تجارة بالمشاعر وبالأحاسيس بلا رحمة ولا إحساس
تجارة حقيرة ولا إنسانية تفوق في قذارتها الاتجار بأعضاء البشر عبر الحدود
كلاهما يتاجر بالبشر بمنتهى الوحشية لكن كل على طريقته وبأسلوبه
وللأسف الناس مساكين يفتحون قلوبهم أمام الكاميرات ويشتكون همومهم أمام الكاميرات ويظنون أن رسالتهم وصلت وانه سيصلهم الفرج قريبا وينتظرون وينتظرون بلا فائدة ويكسب الصحفي الذي صورهم جوائز نقدية ومبالغ ودروع وتكريم ولا يتذكر أي إنسان من أولئك الضحايا الذين تم الدوس عليهم أثناءالصعود الى الشهرة الإعلامية
لذلك انصح كل من يقوم بأي عمل صحفي رائع توثيقي حول أي مصيبة ان يتأكد ان من وثق حالتهم تم التعاطي معهم وتم حل مشاكلهم لاحقا
علما بان البعض يقوم بذلك فعلا ويستحق الاحترام على المتابعة والتواصل
لقد أصبحت الصحافةحاليا فن جعل الآخرين يصدقون الأمور التي لا يمكن تصديقها من خلال التكرار والتداول الواسع والانتشار والفبركة وكل الأساليب التي تشتت العقول
فالمنهج السائد فيالعالم الإعلامي اليوم هو إغراق الوكالات والشاشات والنت وكل المصادر بسيل عارم منالمعلومات المتضاربة والمتناقضة وتكرارالتناقض والهدف من ذلك أن تضيع الحقيقية ويتشتت التركيز وتشتعل الفتن وتتواصلالاتهامات المتبادلة فلا احد يعرف أين الحق أبدا والكل يصدق ما يريد ان يصدقه هو وما يتماشى مع أهوائه ومزاجه وقناعاته وانتمائه بصرف النظر عن الحقيقة الموضوعية والمنطقية
والمصيبة أن كثير من الناس يعتبرون آرائهم حقائق مطلقة
لكن الواقع ان هناكفرق شاسع بين الرأي والحقيقة
فالرأي هو وجهة نظر تختلف من شخص إلى آخر بحسب عوامل كثيرة
أما الحقيقة فهي القضية التي لا يمكن ان يختلف عليها اثنين
لكن للأسف يتعنت الكثيرين ويعتبرون آرائهم حقائق مطلقة ويرفضون النقاش والسبب في ذلك هو التكرار الإعلامي لبعض الأمور التي يريد من يبثها ان يصدقهاالناس ويتحزبوا ويتحالفوا ويتقاتلوا وكل فريق يستند على أخبار ومعلومات متناقضةربما من نفس المصدر
الجانب الثاني من الإعلام هو السينما والتلفزيون سواء العربي او العالمي حيث كثير من المقاطع اللاخلاقية والتي يريدون تروجيها وكأنها طبيعية من خلال المسلسلات المترجمة والغير مترجمة ومن خلال الأفلام الهابطة التي تعتمد على الإثارة والإغراء وإثارة الغرائز والهدف المعلن من ذلك هو حرية الإعلام ولكن الهدف الغير معلن هو ترويض النفوس على مشاهد الرذيلة والشذوذ ليتم إفساد الجيل الصاعد الذين من المفترض ان يكونوا بناة المستقبل
و كيف سيكونوا بناة للمستقبل في ظل هذا الانحطاط الأخلاقي وذلك التشويه للقيم والمبادئ
بالإضافة الى ذلك فإن كثير من المسلسلات والأفلام التاريخية تنطوي على قدر كبير من التزوير لحقائق تاريخية والمصيبة ان يصبح التلفزيون هو المرجع في المعلومات ولكل اولئك الذين يجادلوك بمعلومات مغلوطة ويقول لك...
أنت لم تحضر مسلسل كذا او فلم كذا؟؟؟
لذلك أنصحكم أن ننتبه لما يبث في بيتنا من سموم سينمائية ووثائقية وان نحاول ان نرتقي بعلمنا وثقافتنا وان نتعلم وان نزداد علما في تاريخنا الإسلامي والعربي (والفلسطيني ) وان ننقل مانتعلم الى أبنائنا وإخواننا وأصدقائنا ليزداد الوعي التاريخي عندنا فمن يجهل التاريخ سيكون ضحية لخداع الإعلام فالجميع يعلم ان آلة الإعلام العالمي في يد الصهيونية والماسونية العالمية وأن الإعلام والدعاية الكاذبة هي سلاح من أسلحة العدو الصهيوني وللأسف عندنا مستوى جهل غير طبيعي في العالم العربي في المجال التاريخي وعلينا ان ننتبه لهذه الثغرة
ومن لا يتعلم من التاريخ فهو أحمق... ومن يجهل التاريخ أساسا فهو أكثر حماقة...
الجانب الثالث هو الإعلام الديني الذي من المفترض أن يكون إعلاما دعويا راقيا جاذبا للناس للدين الإسلامي ليتحقق هدف الله تعالى من خلقنا على الأرض فنحن مخلوقون للعبادة والدعوة وهذا فرض لا يجب إسقاطه عن أي إنسان مسلم فنحن دعاة الى الله في كل زمان ومكان ونحن سفراء لديننا بسلوكنا وأخلاقنا وتعاملاتنا وأشكالناوارتقائنا بأنفسنا ونحن أحفاد الصحابة ويجب ان نستشعر خطورة ذلك الأمر و لكن المصيبةهي ان كثير من الفضائيات الإسلامية تسيء للإسلام من خلال التناقضات المقصودة فيما بينهاومن خلال مهاجمة المشايخ لبعضهم وتكفير بعضهم لبعض وهذا الخطاب التكفيري يضرب الإسلام في مقتل ويضلل الناس وهو مقصود من قبل القائمين على الإعلام لذلك يجب علينا ان نفرق بين الدعوة الى الإسلام وبين الدعاية الإعلامية للإسلام والأحزاب والتوجهات الإسلامية فكل الفضائيات تنتهج الدعاية الإعلامية لنفسها وللقائمين عليها وهذا ما يشتت عقل المشاهد العربي البسيط ويتزعزع إيمانه بسببهم ولكن لو اتفق الجميع لأجل الله ودين الله وسنةرسوله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن ان يختلف اثنان على نفس الحق وحتما سيجدوا نقاط التقاء لمصلحة الدعوة إلى الله اذا كان هدفهم هو الجنة ورضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
إن مشكلة شباب المسلمين أنهم لا يعرفون كيف يعيشون في سبيل الله وأنهم لو أرادوا الاستشهاد فإنهم لا يعرفون كيف يموتون في سبيل الله فهم تائهون ومضللون بسبب ذلك التناقض الإعلامي الخطير بين القنوات الإسلامية السنية في العالم الإسلامي لذلك أرجو من قادة العالم الإسلامي السعي لتوحيد الخطاب الديني الدعوى في سبيل الله لتصحيح مسارنا وعلاج التشويه الذي أصابنا وعلينا نحن كمسلمين ان نزداد وعيا وتفقها في ديننا لكي نميز بين الحق والباطل ونتبع الحق الذي انزله الله تعالى ونستوعب ما يدور حولنا ونتمكن من الدفاع عن ديننا عن علم فالإسلام لم يكن أبدا دينا إرهابيا الإسلام لم يتسبب بقتل 20 مليون استرالي ولا 100 مليون هنديا أحمر ولا 2 مليون فيتنامي ولا مليون جزائري ... الإسلام لم يلقي قنابل نووية على اليابان ولم يقتل 2 مليون مسلم في البوسنة...الإسلام لا يغتصب النساء كما فعل الصرب الإسلام لم يقتل مئات الآلاف في أفغانستان وكشمير والعراق ولبنان والشيشان وبورما وصبرا وشاتيلا وفلسطين المحتلةوقطاع غزة
وكل أولئك الذين يقتلون الناس ويذبحونهم ويحرقونهم ويستعبدونهم بإسم الإسلام هم أدوات في يد الإعلام العالمي ولديهم مخرجين سينمائيين محترفين يتقنون فن خداع البشر لتغيير قناعاتهم ولضرب الإسلام ولإيقاف المد الإسلامي في الغرب... لكن الله سيتم نوره ولوكره الكافرون
و قبل ان ندافع عن ديننا يجب ان نكون على وعي بديننا وبما يدور حولنا وعلى علم بما نقول فالله تعالى لا يقبل عبادة الجاهل ويريد منا ان نعبده بالعقل وان ندعو لديننا على نور وعلم
والإعلام حاليا مصدرخطير للتوجيه وللتعليم يجب ان يستثمره من يخاف الله من قادتنا لمصلحة الدين والدعوة والشعوب وسيحاسبنا الله جميعا على تقصيرنا وسكوتنا
الجانب الأخير الذي سأتكلم عنه هو جانب قنوات الأطفال والصور المتحركة والتي نلاحظ ان معظم الناس يلجأ اليها لتسكيت وتهدئة الطفل وحتى بعض رياض الأطفال تقوم بنفس الشيء وهذه مخالفة تربوية واضحة وللأسف فإن هذه القنوات تجذب الطفل بشكل غريب والكثير من الناس يتبعون هذه الطريقة والأصل ان الطفل يجب ان يلعب وطبيعي جدا ان يكون الطفل الشقي اكثر ذكاء من الطفل الهادئ والطفل الشقي يكتسب خبرات ومعارف لا يمكن ان يكتسبها الطفل الهادئ لذلك يجب ان نستوعب شقاوة الأطفال وان لا يكون التلفزيون هو الصنم الحديث الذي يجلسون أمامه فهذا التلفزيون تسبب في مرض التوحد عند كثير من الأطفال حيث ينعزل الطفل عن العالم الحقيقي المحيط به ويصاب بالتوحد دون ملاحظة الأهل ويسرح في عالم التلفزيون والكمبيوتر وخيال الصور المتحركة الكاذبة وهناك كثير من الأطفال مصابون بالتوحد بدرجات متفاوتة منهم من يتعلق بالصور المتحركة ومنهم من يتعلق بالبلايستيشن ومنهم من يتعلق بالانترنت وينحصر عالمه فيما تعلق به ويكون مثل الأخرس أمام الناس في أي اجتماع ويبدو انه غير طبيعي ومتضايق من الجو الاجتماعي
أرجو ان ننتبه للتلفزيون والكمبيوتر وان يكون الجلوس أمامهما محدودا بوقت وان نترك الطفل ليلعب وينطلق ويكتب ويرسم ويلون وان نرسله الى السوق مثلا ليشتري أي شيء المهم ان يحتك بالناس وان ناخذ أبنائنا لنزور أقاربنا ليتعرف أبنائنا على أبنائهم في ظل هذا التفكك الاجتماعي الخطير بعيدا عن السياسة الحزبية والغباء العنصري
وعلينا ان نجلس نحن كآباء مع أبنائنا نتكلم معهم ونسألهم عن أصحابهم ومدارسهم ومشاكلهم وهمومهم ونروي لهم تجاربنا وقصصنا وإحداثنا ونضحك معهم ونمازحهم ونقترب منهم وان نروي لهم تاريخنا الذي توارثناه ونوضح لهم أمور كثيرة وممكن نحضر نحن وإياهم برنامج تلفزيونيا و أخبار او مسلسل محترم او فلم ممتع وان نتكلم أثنائه فلا يجب الصمت امام التلفزيون او الكمبيوتر وعلينا ان نجيب على تساؤلاتهم وستتفاجأ ان أولادك او إخوانك الصغار سيسألونك اسئلة لن تتوقعها وخلال ذلك ستكون الزوجة او الأم موجودة تشارككم هذا الجو العائلي الرائع وبذلك يتم تعزيز الترابط الأسري الذي يريد الإعلام العالمي ان يمزقه من خلال كل ما سبق فالأسرة هي الأساس الأول في المجتمع وإذا أصلحنا بيوتنا ومحيطنا القريب وكنا نماذج ناجحة سيرتقي مجتمعنا وسينصح حالنا إن شاء الله
أرجو ان يكون كلامي مقبولا ومفيدا لمن يقرأه وأرجو ان نطبق ما نتعلم وما نسمع في حياتنا فأساس مصيبتنا هي أننا لا نقرأ ولا نتعلم ... ولو تعلمنا لا نستوعب ... ولو استوعبنا لا نطبق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق